الجراحة التجميلية في العالم العربي

حين خضعت مها لعملية تجميل لأنفها، كان عمرها 25 سنة، وهو عمر يُفترض أن تكون قد اعتادت فيه على شكلها وتقبلته، ومع ذلك فإنها حين قصدت جرّاح التجميل سألها مُستغربا لماذا انتظرت كل هذا الوقت. تقول مها: "شعرت عندما طُرِح السؤال عليّ بأني موجودة في مكان لا يشبهني، خصوصا أني كنت من رافضي عمليات التجميل لدرجة أنني كنت لا أحسن حتى استعمال مساحيق التجميل. ولم يكن يُربِكني أمر أكثر من قبولي دعوةً لحضور عرسٍ يُحَتّم عليّ الاهتمام بأمور التجميل التي لم أكن أحسنها".

تُرجع مها، الشابة الجامعية، أسباب إقدامها على إجراء العملية إلى ملل في عملها وعدم سعادة في حياتها الشخصية مما دفعها إلى البحث عن تغيير تقول عنه: "اعتقدت أن تحسين شيء غير جميل في وجهي قد يساعدني، لكن أعترف بأن الفكرة كانت تراودني كلما أجرى شخص أعرفه العملية نفسها".

ومها ليست حالة نادرة بين الشابات اللواتي يتطلعن إلى الشكل الأفضل، فاللهاث وراء شكل أفضل جرف الكثيرات من اللبنانيات والسوريات والأردنيات والخليجيات إلى مراكز التجميل المتخصصة والمستشفيات لتحسين أشكال أجسادهن. وتتنوع عمليات التجميل التي يَقُمن بها من استخدام أشعة الليزر لتصحيح النظر والاستغناء عن النظارات الطبية، إلى حقن الخدود وإزالة تجاعيد الوجه وتكبير الشفتين مرورا بشد الوجه، إلى شفط الدهون من البطن والوركين، إلى تكبير الثديين أو المؤخرة وما إلى ذلك من طلبات تفاجِئ الأطباء في بعض الأحيان. وقد يمتنع بعض الأطباء عن إجراء هذه العمليات فيما يقدم آخرون على إجرائها سعيا وراء المكسب المادي.

يقول رئيس الجمعية اللبنانية لجراحي التجميل والترميم الدكتور سهيل حجيلي: "إن أكثر عمليات التجميل طلباً هي للأنف. فالمعروف أن سكان البحر المتوسط يتسمون بأنوفهم الكبيرةً. وثمة فتيات وسيدات كثيرات يحضرن ومعهن صورة لممثلة أجنبية، كلوديا شيفر مثلاً، لنحت أنوفهن ليصبح مثل أنفها. لكن الأطباء يحرصون على تجميل الأنف بما يتناسب مع وجه صاحبته. فنحن في الشرق لا يمكننا أن نحمل أنوفاً سويدية أو انكليزية، وإلا فقد تكون هناك مشكلة ما في عملية التجميل التي تم إجراؤها".

وتعتبر عملية شفط الدهون ثاني أكثر العمليات طلباً في لبنان حيث يأتي إلى جرّاحي التجميل الذين تضاعف عددهم 10 مرات خلال الـ25 سنة الماضية زبائن من دول عربية مجاورة. والأمر لا يقتصر على النساء فحسب، بل انضم إليهن الرجال أيضاً، على أن معظم النساء يأتين مدفوعات من أزواجهن لإجراء العملية. ويشير عاملون في مجال علم الاجتماع إلى أن المجتمع الشرقي الذكوري يضع المرأة تحت ضغط نفسي هائل إذا فشلت في الحفاظ على جمال جسدها. فمن السهولة بمكان أن يتزوج الرجل مرة ثانية، مما يجعل المرأة مضطرة أحياناً إلى اللجوء إلى عمليات تجميلية هي ليست في حاجة إليها بالضرورة.

هدى واحدة من الزوجات العربيات اللواتي بلغن سن الأربعين، لكنّ وجهها لا يكاد يخلو جزء منه من عملية شدّ أو نفخ أو تسميم بحقن البوتوكس لإزالة التجاعيد التي بدأت تمتد بخجل إلى تقاسيمه. إلا أن تصحيح "ما أفسده الدهر" أفقد هدى الكثير من التعابير الانسانية التي تظهر على الوجه حين تضحك أو تبتسم أو حتى تبدي استغراباً. وعلى رغم ما عانته هدى وتعانيه من حرمان وإدمان على الرياضة من أجل إبقاء وزنها في حده الأدنى، فإن شكوكها تجاه زوجها وخوفها من فقدانه تزداد. ولا تنفع كل وسائل صقل جسدها في منعه من التذمر والتأخر في العودة إلى بيت الزوجية.

يقول الدكتور حجيلي: "ما الفرق بين تجميل الوجه بمساحيق التجميل وبين عمليات التجميل الجراحية؟ إن التقنيات الطبية المتطورة خففت الألم وحتى المضاعفات مما زاد في الإقبال على هذه الجراحة، لكن هذا لا يلغي أن الأشخاص الذين يريدون الخضوع للعملية يجب إبلاغهم بمضاعفات محتملة وعليهم تحكيم عقولهم. والأشخاص الذين يصلون إلى هدفهم من العملية الواحدة يكتفون بها ويكونون سعداء، ذلك أن توقعاتهم كانت منطقية وواقعية، لكن ثمة من تفوق توقعاته الواقع، ويسهم بعض الأطباء في ذلك. وهؤلاء يدخلون دوامة الجراحة التجميلية التي لا تنتهي".

ليست هناك مؤشرات عُمرية محددة لمن يُجري جراحة تجميلية في الدول العربية، فثمة من يطلبها وهو في السبعين، وبعض الفتيات يقصدن العيادات التجميلية وهنّ دون الـ17 من عمرهن، لكن السائد أن الفئات العمرية التي تتراوح بين 29 و50 عاماً هي أكثر الفئات إقبالاً على هذه الجراحة.

والجديد في عالم الجراحية التجميلية في العالم العربي هو أن لعامل المادي لم يكن عائقا ً أمام طالبيها بحيث أنها لم تعد مقتصرة على الميسورين. وكذلك فإن التنافس بين الأطباء على جذب الزبائن أوجد منافسة في خفض كلفة العمليات إلى درجة أن بعض النساء يقصدن دولاً عربية أخرى للوصول إلى هدفهن بكلفة أقل.


الجمال بين هوليوود والواقع

جراحة التجميل التي لم تعد امتيازا مقتصرا على الميسورين والمشاهير باتت منتشرة على نطاق واسع. ففي السنة الماضية، أنفق أكثر من 6.6 مليون أميركي أكثر من 7 مليارات دولار على الجراحات التجميلية بتنوعها من التقشير الكيميائي للجلد إلى تكبير الثديين. كل ذلك يعكس عدم الرضا عن مظهرهم الذي يشعر به هؤلاء في أعماق أنفسهم، وهو الأمر الذي دفعهم لصرف هذه المبالغ الهائلة من أجل تغيير ذلك المظهر.

فترة العشرة أعوام الماضية شهدت تغيّرا جذريا في كيفية نظر الأميركيين إلى جراحة التجميل التي تشمل إجراءات مثل حقن الـبوتوكوس Botox، وتجميل الأنف، فضلا عن الإجراءات الترميمية مثل إزالة الأورام والندوب. وسواء كان الأمر يعود إلى تأثير الإعلام الذي بات يزدحم بأناس يملكون قواما ووجوها جميلة، أو إلى هوليوود حيث خضع كل نجم لامع تقريبا، بشكل أو آخر، لإعادة تشكيل نفسه جراحيا، فإن الأميركيين اليوم يتقبلون جراحة التجميل بوصفها وسيلة مشروعة لتحسين مظهر المرء وزيادة ثقته بنفسه وسعادته. فجراحة التجميل، التي كان يُنظر إليها في وقت ما كعلامة غرور وخيلاء تستحق الرثاء والشفقة، باتت الآن مؤشرا إلى مكانة الفرد ومنزلته، تماما كما ينظر الأميركيون إلى جسد مشدود وخصر رشيق.

وعلى نحو يعكس الثقافة الموجّهة عموما، ظهرت برامج تلفزيونية جديدة تعكس التغيرات التي يبحث عنها الأميركيون. وأحد هذه البرامج هو "إكستريم ميك أوفر" Extreme Makeover الذي أصبح برنامجا يحظى بشعبية كبيرة من خلال جذب متطوعين أميركيين ذوي مظهر عادٍ وتقديم علاجات جراحية لهم تكلف آلاف الدولارات لكي يتم تشكيل مظهرهم من جديد. وقد تقدّم أكثر من 15 ألف شخص بطلبات للظهور في البرنامج الذي يقوم المشاركون فيه بتغيير مظهرهم، على مدى 8 أسابيع، بمساعدة الجراحين ومزيني الشعر ومستشاري الموضة.

هوس أم يأس

إلا أن هذا كله دفع المنتقدين إلى التساؤل حول ما إذا كانت هناك حالة من اليأس بين الأميركيين تدفعهم للسعي إلى التحول إلى أشخاص مغايرين لما هم عليه في الحقيقة. وفي الوقت ذاته يُحذِّر الأطباء والناشطون الاجتماعيون على حد سواء من أن جراحة التجميل، حتى وإن كانت شكلية الطابع، ما زالت مسألة مليئة بالمخاطر يمكن أن تودي بحياة من يخضعون لها، فقد لقي العشرات إن لم يكن المئات من الأميركيين حتفهم في السنوات الماضية بسبب تعقيدات جراحة التجميل ومضاعفاتها.

تقول ديبورا سوليفان الأستاذة بجامعة ولاية أريزونا Arizona State University ومؤلفة كتاب "جراحة التجميل: طليعة الطب التجاري في أميركا"Cosmetic Surgery: The Cutting Edge of Commercial Medicine in America: "هذه أجساد بشرية، وأول مبدأ من مبادئ الطب هو ألا يلحق الطبيب الأذى بها. وعندما تقوم بإجراء عملية جراحية، فعليك أن توازن بين الخطر المتأصل والنتيجة المحتملة. الأطباء عادة يوازنون بين الخطر وبين الأثر العلاجي. لكن في حالة جراحة التجميل فإنهم يوازنون بين المخاطر والمظهر".

تقول سوليفان إن هوس الأميركيين بجراحة التجميل أمر "تم صوغه ثقافياً بالكامل". وتشير، على سبيل المثال، إلى أن المجلات النسائية التي كانت تركز في الماضي على شخصية المرأة أولاً تعتبر الجمال الآن هو الأساس. غير أن مبعث القلق بالنسبة لسوليفان هو عملية "التسليع" الواسع للطب الذي جلب الإعلانات عن جراّحي التجميل إلى المجلات ومحطات قطارات الأنفاق ولوحات الإعلان التجاري مما أضفى على هذه الإجراءات شرعية لم يسبق لها أن تمتعت بها.

وفقا لتقاريرالجمعية الأميركية لجرّاحي التجميل American Society of Plastic Surgeons، وهي الهيئة الرائدة في هذا المجال، فقد تضاعف عدد الأميركيين الذين يختارون جراحة التجميل ثلاث مرات تقريبا خلال السنوات الـ11 الماضية. وحسب تقاريرالجمعية، فقد قامت 225,818 امرأة بتكبير أثدائهن (وهو ما يمثل زيادة قدرها 593% منذ عام 1992)، فيما أجريت عمليات شد الوجه لـ73,562 شخصا (وهو ما يمثل زيادة قدرها 84% خلال نفس الفترة)، واختار 204,520 شخصا عمليات شفط الدهون، وهو إجراء يتضمن شفط الدهون باستخدام آلة حقن تقوم بخلق فراغ في الجسم، عادة في المنطقة حول وسط الجسم (ويمثل ذلك زيادة 400% في الفترة ذاتها).

ترويج إعلامي أم تطوّر تقني؟

فما الذي يحدث؟ هل هذا سلوك عاقل من قبل مستهلكين يعرفون ما يفعلون؟ أم هل هو نوع من الهوس الغريب الذي يروّج له التلفزيون والإعلام؟ طبقا لكلام الدكتورة ميشيل كوبلاند، وهي جرّاحة تجميل مرموقة في مدينة نيويورك، فإن معظم الدفع باتجاه تجميل الجسد يتأتى من تطور التقنيات وسهولة الأساليب الجراحية. فالجراحات التي كانت تتطلب فيما مضى أن يقضي المريض ليلة على الأقل في المستشفى يمكن الآن أداؤها في الوقت الذي تستغرقه مشاهدة فيلم. فضلا عن ذلك، فإن أكثر الخيارات شعبية وانتشارا اليوم، مثل حقن البوتوكس والتقشير الكيميائي للجلد، هي إجراءات لا تحتاج إلى مداخلة جراحية مما يعني أنه بوسع المريض تحقيق نفس النتائج بعيداً عن التكاليف الباهظة وآلام التخدير والندوب.

تقول كوبلاند التي تُدرّس في إحدى كليات الطب أيضا: "إننا ندخل عصراً جديداً في جراحة التجميل، فالناس بوسعهم اليوم إحداث تغييرات هامة في مظهرهم بمخاطر محدودة ودونما التوقف عن أعمالهم لوقت طويل".

إلا أن كوبلاند تضيف أن السبب وراء لجوء الناس لجراحة التجميل يبقى هو ذاته: بكل بساطة، الرغبة في الظهور بمظهر أفضل. ومثلها مثل الجراحين الآخرين الذين أُجريت معهم مقابلات خاصة بهذه المقالة، فإن كوبلاند، مؤلفة كتاب "غيّر مظهرك وغيّر حياتك" Change Your Looks, Change Your Life، تعتقد أن جراحة التجميل يمكن أن تكون تجربة نوعية تغيّر على نحو دائم الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا وتلك التي ينظر إلينا الآخرون بها.

تقول كوبلاند: "في الحقيقة، مظهرنا ومشاعرنا وثيقة الصلة ببعضها البعض. فجراحة التجميل، يمكن أن تؤثر بعمق على كيفية معاشرتك وتفاعلك مع أصدقائك. إنها تجربة تبعث على الثقة".

يلاحظ الدكتور مونتي هاريس، أحد مؤسسي عيادة "كولتشرا كوزماتيك سبا"

Cultura Cosmetic Spa في واشنطن العاصمة، أنه في الفترة الماضية كان الحصول على الأنف الأوروبي، الذي يُعتبر عموما الشكل المثالي، هو حلم كل من يرغب في تجميل أنفه. أما الآن، فيقول هاريس، وهو أيضا أخصائي جراحة تجميل الوجه، إن الأطباء يستطيعون بفضل التقنيات الجراحية المتطورة أن يعيدوا تشكيل الأنف (أو العيون أو الشفاه) لتتناسق بشكل أفضل مع بقية الوجه. والنتيجة هي احتفاظ الذين يتلقون هذه العمليات التجميلية بتميزهم العرقي سواء أكان ذلك أنفا أكبر أو عيوناً أوسع أو شفاهاً أكثر امتلاءً.

ويضيف هاريس قائلا: "لدينا خريطة ديموغرافية متغيرة هنا في أميركا، فنحن نعيش في ثقافة أكثر عولمة. كما أن الأميركيين باتوا يتقبلون تعريفا أوسع للجمال. فالناس يحاولون أن يظهروا بأفضل مظهر لهم فيما يحافظون على انتمائهم العرقي. ولم يعودوا يأتون إليّ قائلين: "نريد أن نظهر بمظهر البيض". ويشير د. هاريس إلى الممثلتين هالي باري وسلمى حايك كمثالين بارزين على مفهوم أميركا المتغير للجمال. يُذكر أن باري أميركية من أصل أفريقي وحايك من أصل لبناني.

وفي الواقع، يشير جراحو التجميل إلى أن مرضاهم غالبا ما يطلبون إعادة تشكيلهم متشبهين بنجومهم المفضلين. وهذا أمر يثير السخرية إذ أن أكثر المشاهيركانوا قد خضعوا أصلا لجراحات تجميلية ثانوية أو رئيسية للحصول على مظهرهم الحالي. ومما لا جدال فيه أن إعادة تشكيل ملامح وأجساد المشاهير موضوع ثابت في صحف الإثارة.

غير أن ما يحدث اليوم، والملفت للنظر، هو أن أكبر قصص الجراحة التجميلية تدور حول أميركيين عاديين. لقد كان تأثير برنامج إكستريم ميك التلفزيوني أبعد من أية "عملية تجميل" قد تجرى لترويج هذه الجراحة وإضفاء الشرعية عليها، كما يقول أنصار البرنامج ومنتقدوه. لقد أصبح هذا البرنامج ظاهرة بحد ذاته لأن الناس العاديين يحصلون على العلاج الذي يحصل عليه النجوم.

فرصة العمر أم برامج مضلّلة

في إحدى حلقات البرنامج، يتلقى المشتركون من التحسينات الجمالية ما تعادل تكلفتها حوالي 60 ألف دولار. وقد تعني جراحة التجميل بالنسبة لهؤلاء تجميل الأنف وشفط الدهون وتعديل الذقن وعلاج الشفاه بالكولاجين. ليس هذا فحسب؛ بل إن المشاركين يحصلون على مواعيد مع مزيني الشعر المشهورين، وعلى استشارات في فن المكياج، وعلى جولة تسويقية مع خبراء متمرسين، وعلى عدة أسابيع من برامج اللياقة البدنية والتمرينات مع مدرّب خاص. وبعد غياب لمدة ثمانية أسابيع يعود المشاركون إلى عائلاتهم وأصدقائهم في "ظهور" احتفالي حيث يُذهلون أحبّاءَهم بمظهرهم الجديد.

واستنادا إلى ردود فعل المشاركين، يبدو أن كل ذلك له أثر عميق على حالة المرضى وشعورهم بالراحة. لكن منتقدي برنامج إكستريم ميك أوفر يشيرون إلى أن ما يتلقاه المشارك العادي في البرنامج لا يتوفر سوى للمحظوظين بما يكفي ليتم اختيارهم، أو للميسورين الذين يستطيعون تحمل التكاليف الباهظة. كما أنه ما من طريقة لمعرفة كيف يشعر المشاركون بعد أسابيع من تلقيهم العلاج حينما يعودون إلى مزاولة حياتهم العادية.

يقول د. كيلي ميلر عضو الجمعية الأميركية لجراحي التجميل American Academy of Cosmetic Surgery: "يقدم البرنامج أمالاً زائفة. إنه يثير توقعات مبالغا فيها بشكل لا يُصدّق، وذلك بالنسبة للإنسان العادي".

ويقول د. مايكل هاورث الذي يمارس جراحة التجميل في بيفرلي هيلز والذي تضم قائمة مرضاه أسماء عدد من كبار النجوم إن البرنامج ربما يختلق نتائج غير واقعية. "إنه برنامج مضلل بعض الشيء فهم لا يتناولون ما يمكن أن يحدث من تعقيدات جراحية".

وقد تكون التعقيدات شديدة. فقد أدّت إجراءات الجراحة التجميلية التي لم تَسْرِ كما كان مخططا لها إلى وفاة رجل بعد تلقيه علاجا لإزالة الشعر بأشعة الليزر، وإلى وفاة آخر إثر عملية لشفط الدهون.

راشيل، التي طلبت أيضا ألا نستخدم اسمها، واحدة من الآلاف الذين خضعوا لجراحة تجميلية ولم يكونوا سعيدين بالنتائج.

إذ بعد فقدانها لأكثر من 50 كيلوغراما نتيجة عملية جراحية لاستقطاع أجزاء من المعدة (وهو إجراء يجعل المعدة أصغر حجماً مما يمنع المريض من أكل كميات كبيرة من الطعام)، وجدت راشيل نفسها تملك عدة أمتار إضافية من الجلد وطبقات ضخمة من الدهون غير المرغوب فيها. لذا كان عليها أن تخضع لعملية جراحية أخرى. واستقر رأيها على طبيب وافق على إجراء العمليتين في عملية واحدة: إحداهما لإزالة تسعة كيلوغرامات من الجلد الزائد الذي تراكم حول بطنها، والأخرى لإزالة طبقات الشحم من على الأجزاء العليا لذراعيها. وتم التخطيط لكل شيء إلى أن اتصل بها الطبيب قبل الجراحة بيومين ليخبرها بأنه لن يستطيع معالجة ذراعيها في عملية واحدة. وكان يتعيّن عليها أن تدخل غرفة العمليات مرة ثانية.

تقول راشيل التي تعيش في مدينة شيكاغو: "كان توقيتا فظيعا لإخباري بذلك. لو أنني علمت بذلك في وقت أبكر لكان بوسعي أن أحصل على رأي آخر. يومان قبل العملية ليس الوقت المطلوب ليخبرني الطبيب بأنه يتعيّن على أن أفعل ذلك على مرحلتين".

والأسوأ من ذلك أن راشيل لاحظت بعد الانتهاء من العملية أن ذراعها اليمنى كانت أكبر من ذراعها اليسرى. ويتعيّن عليها الآن أن تعود إلى غرفة العمليات مرة أخرى لاستكمال مشوارها ومعالجة التشوهات الناجمة عن العملية الأصلية.

خلال السنوات الـ20 الماضية، خاض المحامون والناشطون الاجتماعيون معركة ناجحة في أغلب الأحيان ضد أحد أكثر الأشكال شعبية لجراحة التجميل: تكبير الثدي عن طريق حشوات اصطناعية. فقد تم منع هذا الإجراء، الذي يقوم على زرع حشوات هلامية سميكة مصنوعة من مادة السيليكون في الثدي، في عام 1992 من قِبَل إدارة الأغذية والعقاقير وهي الهيئة الحكومية التي تشرف على السلامة في قطاعي الأغذية والعقاقير، بعدما ثبت أن المادة المزروعة يمكن أن تتحلل وتُسرِّب مادة السيليكون إلى بقية الجسم. وفي عام 1998، قامت شركة داو كيميكال Dowe Chemical أكبر مصنعي حشوات السيليكون بدفع تعويضات بلغت قيمتها 3.2 مليار دولار لعدد كبير من المتضررين من مُنْتَجِها حتى تستطيع تسوية آلاف القضايا المعلقة.

ومنذ عام 2000، توّفر نوع آخر من حشوات الصدر ألا وهو محلول الملح. ورغم أنه يُعتقد أن هذا النوع أكثر سلامة عموما، فإن المعارضين لعمليات تكبير الصدر ما زالوا يُحذرون من أن العملية قد تنطوي على مخاطر.

وقد ربطت الدراسات الحديثة بين حشوات الصدر والسرطان وأمراض الرئة وحتى الإقدام على الانتحار، رغم أن الأدلة ما زالت غير حاسمة في هذا الصدد. وتبيّن التقارير الصادرة عن نساء أجرينَ العملية بأن معظمهن يمكن لهن أن يتوقعن نوعا واحدا من التعقيدات على الأقل خلال السنوات الثلاث الأولى بعد العملية، وفقا لإحصاءات المركز القومي لأبحاث السياسة العامة للمرأة والأسرة National Center for Policy Research for Women & Families. فضلا عن ذلك، وفيما توفر هذه الزراعات صدرا أكثر تماسكا وجاذبية، فإن زراعات الصدر يُعرف عنها أنها تؤدي إلى تصلب الثديين وتضعف الإحساس في الحلمة وتسبب آلاماً في الصدر.

تقول دايانا زوكيرمان، وهي عالمة أوبئة ورئيسة المركز القومي لأبحاث السياسة العامة للمرأة والأسرة: "الجميع يعلم أن المشكلة في حشوات الصدر هي أن هذه الحشوات تتحلل. لهذه العمليات نسبة تعقيدات عالية". وبالنسبة لزوكيرمان، فإن قضية حشوات الصدر ليست سوى البداية؛ فهي ترى مجتمعا كاملاً بُني على مُثُل للأنوثة مغلوطة وغير قابلة للتحقيق.

وتقول زوكيرمان أيضا: "أعتقد أننا نعيش في ثقافة تُمطرنا بصور للكمال. فعارضات الأزياء والممثلاث جميلات أصلا ويصبحن أكثر جمالاً بواسطة جراحة التجميل. كل ملامحهن متقنة الصنع. فتقول البقية الباقية منا: (لماذا لا أبدو جميلة على هذا النحو؟) إننا، كثقافة، نجد أنفسنا بالتالي نقارن صورتنا ومظهرنا بصور ومظهر أناس لم يولدوا على ذلك النحو"!

لكن الناس يلجؤون أحيانا إلى جراحة التجميل لا ليظهروا بمظهر جميل أو ليثيروا إعجاب أصدقائهم أو ليحسنوا وضعهم المهني بل إنهم يدخلون أحيانا عيادة الطبيب لتخليص أنفسهم من عبء، أو من جزء من أجسادهم لم يُشعرهم قط بالراحة. وهذا قرار شخصي قد لا يلاحظه الكثيرون.

وكانت هذه هي حالة براد، وهو موظف حكومي في واشنطن العاصمة كان يعاني من حالة نادرة تُعرف باسم Gynecomastia (تضخم أثداء الذكور)، وتتسبب في ظهور ثديين كبيرين بصورة غير اعتيادية عند الرجال. وتظهرهذه الحالة في سن المراهقة، لكن 90% من الرجال يتخلصون منها طبيعيا بدخولهم مرحلة البلوغ.

ورغم أن حالته كانت خفية على الآخرين، إلا أن ثدييه بحجمهما الأكبر من المعتاد سبّبا له الكثير من الضيق وأجبراه على ارتداء ملابس فضفاضة لإخفائهما. وعندما اكتشف في الآونة الأخيرة وجود خيار جراحي تجميلي للتخفيف من هذا التشوه، دخل براد مركز أوستن-ويستون لجراحة التجميل Austin-Weston Center for Cosmetic Surgery، وهو واحد من أرقى مراكز التجميل في ولاية فرجينيا، حيث أجريت له عملية استغرقت أربع ساعات وكلفته 6,800 دولار.

يقول براد الذي لم يشأ هو الآخر استخدام اسمه كاملا تفادياً للإحراج: "الآن أمشي بشكل طبيعي. إنك تود أن تشعر بالارتياح مع جسدك، والمظهر البدني جزء كبير من ذلك. كما أن مبلغ 6,800 دولار مبلغ صغير مقابل الثقة مدى الحياة في نفسك ومظهرك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق