اليوغا الساخنة تحتل الصدارة في عالم اليوم


مارستُ رياضة اليوغا لفترة طويلة، وحضرتُ العديد من جلساتها في أمكنة مختلفة، إلا أن أحدها لم يعرّفني بيوغا بيكرام Bikram أو ما يدعى باليوغا الساخنة.

تساءلتُ في حينها، لماذا طُلب مني أن أمتنع عن تناول الطعام لبضع ساعات قبيل ممارسة هذه الرياضة؟ ولماذا يصطف ممارسو البيكرام أمام محال بيع الفيتامينات لشراء الحبوب التي تساعد على التخلص من الماء الزائد في الجسم ويدفعون دولارين على الأقل ثمناً للعبوة الواحدة، وذلك قبيل توجههم إلى صالة اليوغا، محملين بعدد كبير من المناشف، يسيرون إلى غايتهم في هدوء وحماس؟

NORMAN NG/CHARLOTTE OBSERVERسرعان ما عثرت على الإجابة على معظم أسئلتي أولها أن اليوغا على طريقة بيكرام تُمارس في غرفة ترتفع درجة حرارتها إلى 40 درجة مئوية، وهي حرارة كافية لتدفع بجرذان قاعة الألعاب الرياضية (الجيمنازيوم) لمغادرة مخابئها.

أخضعتني مدربتنا لأداء 26 وضعية مختلفة للجلوس، تدعى حركات آزاناس، خلال الجلسة التي تستمر90 دقيقة، مما حرّض كل خلية من خلايا جسمي على إفراز المزيد من العرق الذي أخذ يسيل من جسمي بغزارة شديدة إلى أن شكّل بركة من الماء من حولي، الأمر الذي أصابني بالحرج وأثار في نفسي شكوكاً حول حالتي الصحية مقارنة بحال رفاقي في هذه التجربة الجديدة، الجالسين إلى جواري، والذين لم يتصبب عرقهم بالغزارة نفسها التي تصبب بها عرقي. وبالرغم من التعب الذي بدا واضحاً علينا جميعاً، إلا أنه لم يكن باستطاعة أحد منا مغادرة الغرفة قبل انتهاء الجلسة، حتى لو وصلت به الحال إلى حد الغثيان.

همستْ مدربتنا باولا بلهجة متعاطفة مع مشقتنا قائلة: "كل ما عليكم فعله هو مواصلة وضع الجلوس أرضاً". أخذت بنصيحتها أكثر من مرة، آملة أن تساعد في إنهاء معاناتي. وأخيراً انتهت الجلسة. وما كدت ألتقط أنفاسي حتى بادرني شعور مفاجئ، شعور بارتياح عارم يسري في أنحاء جسدي.

منذ أن حقّقت اليوغا انتشاراً واسعاً في فترة الستينيات، غدتْ بحق، الرياضة المفضلة والأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، حيث يقدر اليوم عدد الأميركيين الذين يمارسون اليوغا بانتظام، بـ18 مليون شخص.

يرجع تاريخ رياضة اليوغا إلى ما يقارب 5,000 عام. إنها قديمة قدم جبال الهند، الموطن الأول لطقوس التأمل والاسترخاء التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الهندية. غير أن يوغا البيكرام تعتبر ترجمة حديثة لتعاليم الرياضة القديمة. فقد أسسها الهندي بيكرام تشاودري سنة 1960، وهو بطل لرياضة رفع الأثقال من مواليد مدينة كالكوتا. لقد ساعدته جلسات اليوغا في إثبات عدم صحة آراء الأطباء الذين توقعوا له، إثر تعرضه إلى إصابة بليغة حطمت إحدى ركبتيه، بأنه لن يتمكن من السير مطلقا. ومنذ ذلك الحين نذر بيكرام نفسه لهذه الرياضة التي كانت سبباً من أسباب شفائه. انتقل بيكرام في فترة السبعينات ليقيم بشكل دائم في مدينة لوس أنجلوس. وبمرور الوقت استطاع بيكرام تطوير سلسلة من الوضعيات التي تثير الجسم على العرق، والتي تطبق في توقيت وتسلسل معتمديْن كتقاليد واجبة لجلسات البيكرام. وهو يعتقد أن أجواء الحرارة العالية في الصالة تساعد على زيادة مرونة الجسم وتعجل من شفاء الإصابات والجروح، وتطرد السموم والفضلات من خلال عملية التعرّق. ويشير بيكرام إلى أن اليوغا تحقّق العديد من الفوائد النفسية والذهنية، فهي برأيه، تمرين فعال لخمس عمليات عقلية تتعلق بالروحانية، والتحكم، والتركيز، والتصميم، والصبر.

تقول جينيفر لوبو، المالكة لسبع صالات ليوغا البيكرام على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة، إن أيّ شخص بإمكانه ممارسة هذه الرياضة. كل ما يحتاجه هو الإصرار على المتابعة الدؤوبة والمتواصلة. فهي، على حد قولها، تمرين يستوعب كل أعضاء الجسم. وتعتقد جينيفر أنها، في السنة الماضية، تمكنت من إنهاء سباق الماراثون بنجاح لمجرد أنها واظبت على يوغا بيكرام من أجل إعداد لياقتها الجسمية وجاهزيتها النفسية للمشاركة في هذا السباق. وهي تضيف قائلة: "إن بلوغ الكمال قضية صعبة للغاية، لكن بإمكانك دائماً أن تقوم بما يدفعك خطوة أخرى باتجاهه".

بدأ بيكرام حياته العملية بتشجيع من الممثلة شيرلي ماكلين حين افتتح صالة لليوغا في لوس أنجلوس دعاها بـ"مدرسة يوغا البيكرام الهندية". وعلى عادة هوليوود في استقبال الصرعات، وقعت سريعاً في غرام هذه الرياضة بنزعتها التأملية، واتخذت من بيكرام مرشداً روحياً لنجومها. وانضم العديد من المشاهير إلى قائمة عشاق البيكرام، نذكر منهم لاعب كرة السلة العالمي كريم عبد الجبار ومغنييّ البوب مايكل جاكسون ومادونا. هذا وتعد البيكرام اليوم من أسرع طرق اليوغا انتشاراً حيث ارتفع عدد صالاتها في العالم إلى 715 صالة، بما فيها الولايات المتحدة. وتقول المدربة الرياضية لوري مالين إثر تجربتها للبيكرام: "إنها حقاً تخلصك من السموم. لقد شعرت بعد الجلسة أني قمت حقا بعملية تنظيف وتنقية لأجهزة جسمي كلها، بلا استثناء". وبالرغم من أن معظم مرشدي اليوغا من أصحاب الطرق المختلفة يفضلون التركيز على الجانب الروحي ويتجنبون جمع الأموال من خلال نشر طرقهم، إلا أن بيكرام كسر هذا العرف. واستطاع أن يحول طريقته الخاصة في اليوغا إلى مشروع عملي غاية في التكامل والنجاح. ففي بدايات العام 2003 قام بيكرام بتسجيل طريقته تلك كماركة مسجلة محفوظة الحقوق لصاحبها. وأصبح تبعاً لذلك، لزاماً على معلمي هذه الرياضة أن يخضعوا لدورات تدريبية خاصة تصل كلفتها إلى 5,000 دولار للدورة التي مدتها تسعة أسابيع. لقد استطاع هذا المهاجر العصامي أن يصنع ثروته بجهده الشخصي، محققاً بذلك حكمة توماس آديسون التي تقول: "العبقرية هي 1% موهبة و99% اجتهاد".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق