الجمال بين هوليوود والواقع



جراحة التجميل التي لم تعد امتيازا مقتصرا على الميسورين والمشاهير باتت منتشرة على نطاق واسع. ففي السنة الماضية، أنفق أكثر من 6.6 مليون أميركي أكثر من 7 مليارات دولار على الجراحات التجميلية بتنوعها من التقشير الكيميائي للجلد إلى تكبير الثديين. كل ذلك يعكس عدم الرضا عن مظهرهم الذي يشعر به هؤلاء في أعماق أنفسهم، وهو الأمر الذي دفعهم لصرف هذه المبالغ الهائلة من أجل تغيير ذلك المظهر.فترة العشرة أعوام الماضية شهدت تغيّرا جذريا في كيفية نظر الأميركيين إلى جراحة التجميل التي تشمل إجراءات مثل حقن الـبوتوكوس Botox، وتجميل الأنف، فضلا عن الإجراءات الترميمية مثل إزالة الأورام والندوب. وسواء كان الأمر يعود إلى تأثير الإعلام الذي بات يزدحم بأناس يملكون قواما ووجوها جميلة، أو إلى هوليوود حيث خضع كل نجم لامع تقريبا، بشكل أو آخر، لإعادة تشكيل نفسه جراحيا، فإن الأميركيين اليوم يتقبلون جراحة التجميل بوصفها وسيلة مشروعة لتحسين مظهر المرء وزيادة ثقته بنفسه وسعادته. فجراحة التجميل، التي كان يُنظر إليها في وقت ما كعلامة غرور وخيلاء تستحق الرثاء والشفقة، باتت الآن مؤشرا إلى مكانة الفرد ومنزلته، تماما كما ينظر الأميركيون إلى جسد مشدود وخصر رشيق.
وعلى نحو يعكس الثقافة الموجّهة عموما، ظهرت برامج تلفزيونية جديدة تعكس التغيرات التي يبحث عنها الأميركيون. وأحد هذه البرامج هو "إكستريم ميك أوفر" Extreme Makeover الذي أصبح برنامجا يحظى بشعبية كبيرة من خلال جذب متطوعين أميركيين ذوي مظهر عادٍ وتقديم علاجات جراحية لهم تكلف آلاف الدولارات لكي يتم تشكيل مظهرهم من جديد. وقد تقدّم أكثر من 15 ألف شخص بطلبات للظهور في البرنامج الذي يقوم المشاركون فيه بتغيير مظهرهم، على مدى 8 أسابيع، بمساعدة الجراحين ومزيني الشعر ومستشاري الموضة.

هوس أم يأس

إلا أن هذا كله دفع المنتقدين إلى التساؤل حول ما إذا كانت هناك حالة من اليأس بين الأميركيين تدفعهم للسعي إلى التحول إلى أشخاص مغايرين لما هم عليه في الحقيقة. وفي الوقت ذاته يُحذِّر الأطباء والناشطون الاجتماعيون على حد سواء من أن جراحة التجميل، حتى وإن كانت شكلية الطابع، ما زالت مسألة مليئة بالمخاطر يمكن أن تودي بحياة من يخضعون لها، فقد لقي العشرات إن لم يكن المئات من الأميركيين حتفهم في السنوات الماضية بسبب تعقيدات جراحة التجميل ومضاعفاتها.
تقول ديبورا سوليفان الأستاذة بجامعة ولاية أريزونا Arizona State University ومؤلفة كتاب "جراحة التجميل: طليعة الطب التجاري في أميركا"Cosmetic Surgery: The Cutting Edge of Commercial Medicine in America: "هذه أجساد بشرية، وأول مبدأ من مبادئ الطب هو ألا يلحق الطبيب الأذى بها. وعندما تقوم بإجراء عملية جراحية، فعليك أن توازن بين الخطر المتأصل والنتيجة المحتملة. الأطباء عادة يوازنون بين الخطر وبين الأثر العلاجي. لكن في حالة جراحة التجميل فإنهم يوازنون بين المخاطر والمظهر".
تقول سوليفان إن هوس الأميركيين بجراحة التجميل أمر "تم صوغه ثقافياً بالكامل". وتشير، على سبيل المثال، إلى أن المجلات النسائية التي كانت تركز في الماضي على شخصية المرأة أولاً تعتبر الجمال الآن هو الأساس. غير أن مبعث القلق بالنسبة لسوليفان هو عملية "التسليع" الواسع للطب الذي جلب الإعلانات عن جراّحي التجميل إلى المجلات ومحطات قطارات الأنفاق ولوحات الإعلان التجاري مما أضفى على هذه الإجراءات شرعية لم يسبق لها أن تمتعت بها.
وفقا لتقاريرالجمعية الأميركية لجرّاحي التجميل American Society of Plastic Surgeons، وهي الهيئة الرائدة في هذا المجال، فقد تضاعف عدد الأميركيين الذين يختارون جراحة التجميل ثلاث مرات تقريبا خلال السنوات الـ11 الماضية. وحسب تقاريرالجمعية، فقد قامت 225,818 امرأة بتكبير أثدائهن (وهو ما يمثل زيادة قدرها 593% منذ عام 1992)، فيما أجريت عمليات شد الوجه لـ73,562 شخصا (وهو ما يمثل زيادة قدرها 84% خلال نفس الفترة)، واختار 204,520 شخصا عمليات شفط الدهون، وهو إجراء يتضمن شفط الدهون باستخدام آلة حقن تقوم بخلق فراغ في الجسم، عادة في المنطقة حول وسط الجسم (ويمثل ذلك زيادة 400% في الفترة ذاتها).

ترويج إعلامي أم تطوّر تقني؟

فما الذي يحدث؟ هل هذا سلوك عاقل من قبل مستهلكين يعرفون ما يفعلون؟ أم هل هو نوع من الهوس الغريب الذي يروّج له التلفزيون والإعلام؟ طبقا لكلام الدكتورة ميشيل كوبلاند، وهي جرّاحة تجميل مرموقة في مدينة نيويورك، فإن معظم الدفع باتجاه تجميل الجسد يتأتى من تطور التقنيات وسهولة الأساليب الجراحية. فالجراحات التي كانت تتطلب فيما مضى أن يقضي المريض ليلة على الأقل في المستشفى يمكن الآن أداؤها في الوقت الذي تستغرقه مشاهدة فيلم. فضلا عن ذلك، فإن أكثر الخيارات شعبية وانتشارا اليوم، مثل حقن البوتوكس والتقشير الكيميائي للجلد، هي إجراءات لا تحتاج إلى مداخلة جراحية مما يعني أنه بوسع المريض تحقيق نفس النتائج بعيداً عن التكاليف الباهظة وآلام التخدير والندوب.
تقول كوبلاند التي تُدرّس في إحدى كليات الطب أيضا: "إننا ندخل عصراً جديداً في جراحة التجميل، فالناس بوسعهم اليوم إحداث تغييرات هامة في مظهرهم بمخاطر محدودة ودونما التوقف عن أعمالهم لوقت طويل".
إلا أن كوبلاند تضيف أن السبب وراء لجوء الناس لجراحة التجميل يبقى هو ذاته: بكل بساطة، الرغبة في الظهور بمظهر أفضل. ومثلها مثل الجراحين الآخرين الذين أُجريت معهم مقابلات خاصة بهذه المقالة، فإن كوبلاند، مؤلفة كتاب "غيّر مظهرك وغيّر حياتك" Change Your Looks, Change Your Life، تعتقد أن جراحة التجميل يمكن أن تكون تجربة نوعية تغيّر على نحو دائم الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا وتلك التي ينظر إلينا الآخرون بها.


تقول كوبلاند: "في الحقيقة، مظهرنا ومشاعرنا وثيقة الصلة ببعضها البعض. فجراحة التجميل، يمكن أن تؤثر بعمق على كيفية معاشرتك وتفاعلك مع أصدقائك. إنها تجربة تبعث على الثقة".

يلاحظ الدكتور مونتي هاريس، أحد مؤسسي عيادة "كولتشرا كوزماتيك سبا"
Cultura Cosmetic Spa في واشنطن العاصمة، أنه في الفترة الماضية كان الحصول على الأنف الأوروبي، الذي يُعتبر عموما الشكل المثالي، هو حلم كل من يرغب في تجميل أنفه. أما الآن، فيقول هاريس، وهو أيضا أخصائي جراحة تجميل الوجه، إن الأطباء يستطيعون بفضل التقنيات الجراحية المتطورة أن يعيدوا تشكيل الأنف (أو العيون أو الشفاه) لتتناسق بشكل أفضل مع بقية الوجه. والنتيجة هي احتفاظ الذين يتلقون هذه العمليات التجميلية بتميزهم العرقي سواء أكان ذلك أنفا أكبر أو عيوناً أوسع أو شفاهاً أكثر امتلاءً.
ويضيف هاريس قائلا: "لدينا خريطة ديموغرافية متغيرة هنا في أميركا، فنحن نعيش في ثقافة أكثر عولمة. كما أن الأميركيين باتوا يتقبلون تعريفا أوسع للجمال. فالناس يحاولون أن يظهروا بأفضل مظهر لهم فيما يحافظون على انتمائهم العرقي. ولم يعودوا يأتون إليّ قائلين: "نريد أن نظهر بمظهر البيض". ويشير د. هاريس إلى الممثلتين هالي باري وسلمى حايك كمثالين بارزين على مفهوم أميركا المتغير للجمال. يُذكر أن باري أميركية من أصل أفريقي وحايك من أصل لبناني.
وفي الواقع، يشير جراحو التجميل إلى أن مرضاهم غالبا ما يطلبون إعادة تشكيلهم متشبهين بنجومهم المفضلين. وهذا أمر يثير السخرية إذ أن أكثر المشاهيركانوا قد خضعوا أصلا لجراحات تجميلية ثانوية أو رئيسية للحصول على مظهرهم الحالي. ومما لا جدال فيه أن إعادة تشكيل ملامح وأجساد المشاهير موضوع ثابت في صحف الإثارة.
غير أن ما يحدث اليوم، والملفت للنظر، هو أن أكبر قصص الجراحة التجميلية تدور حول أميركيين عاديين. لقد كان تأثير برنامج إكستريم ميك التلفزيوني أبعد من أية "عملية تجميل" قد تجرى لترويج هذه الجراحة وإضفاء الشرعية عليها، كما يقول أنصار البرنامج ومنتقدوه. لقد أصبح هذا البرنامج ظاهرة بحد ذاته لأن الناس العاديين يحصلون على العلاج الذي يحصل عليه النجوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق