مشكلة السمنة بين الأكل والرياضة
تشكل البدانة مصدر قلق بالغ في العالم العربي، لكن التعاطي معها لا يتمّ على أساس أنها مرض تعدّدت أسبابه ومضاعفاته·
واستوطن مرض العصر هذا العالم العربي منذ زمن نتيجة نوعية الأكل الذي نتناوله ونمط الحياة التي نعيشها. وقد تفاقم في الربع الأخير من القرن الماضي بسبب عوامل تداخلت في ما بينها وأدّت إلى زيادة في الوزن ومن ثم إلى البدانة
ولا تتوفر إحصاءات شاملة عن مدى انتشار البدانة في العالم العربي وأن كانت نسب هذا الانتشار تتفاوت بين بلد عربي وآخر.
كما أنه ثمة غياب كلي للإنفاق الذي يترتب على هذه الدول لمعالجة الأمراض الناتجة عن البدانة، في الوقت الذي تشهد فيه الدول العربية ارتفاعاً لافتا في أمراض القلب والشرايين والضغط الدموي والأمراض الخبيثة وغيرها الأخرى الناجمة عن زيادة الوزن·
ومع أن وسائل الاتصال الحديثة تحاول جاهدة الإسهام في نشر التوعية بأهمية المحافظة على الجسم لكي يتمتع بصحته ويحافظ على عافيته، إلا أنها ما زالت متواضعة في بعض الدول. في حين تصل بعض حملات مكافحة البدانة إلى الجمهور مفرّغة من قيمتها الأساسية في أحيان كثيرة.
فثمة مجتمعات تتعاطى معها من منطلق أنها مقياس للجمال فحسب دون أن تتوقف عند الطرق المتبعة للوصول إلى النحافة، ما يشكّل عامل ضغط هائل على جيل الشباب الذي صار الخروج عن الصورة النمطية التي يتم التسويق لها بالنسبة لهم أمراً هاماً.
لماذا يزيد وزننا؟Photo by Joseph Nakhleh
شهدت المجتمعات في أواخر القرن الماضي نمواً اقتصادياً سريعاً وتطوّراً عمرانياً هائلاً وأسهمت العولمة في تسويق المنتجات الغذائية ولا سيما الأطعمة ما أدّى إلى تغيير النظام الحياتي للفرد من جهة وللمجتمع ككل، إضافة إلى نظام العمل الذي بات يعتمد على المكننة والجلوس لساعات طويلة بحيث يتراجع النشاط الجسدي ويتعاظم الضغط الفكري.
وتطلبت سرعة العمل تقصيراً للوقت المخصص للغداء، فجاءت الأطعمة الجاهزة والسريعة الغنية بالدهون والسكريات لتفاقم من حجم المشكلة·
الركود البدني أثناء العمل واكبه ركود آخر أثناء ساعات الراحة والترفيه، فأصبح الأطفال يمضون ساعات أمام الشاشة التلفزيون أو الكمبيوتر دون أية حركة. كما زاد الطلب على المشروبات الغازية، في الوقت الذي تحثّ فيه الإعلانات المتلفزة الأطفال والشبان على استهلاك الأغذية ذات السعرات الحرارية العالية·
لا يمكن حصر مرض البدانة في بلد عربي دون آخر، ولا تصنيفه على أنه مرض يصيب ساكني المدن دون الريف.
لكن ثمة دولاً تبدو البدانة فيها مستحبة لأنها مجتمعات تغلب على أفرادها النحافة لأكثر من سبب ومنها نذكر دولة اليمن. على أن موجات التنحيف بدأت تشق طريقها إلى مجتمعات كانت زيادة الوزن فيها مرغوبة مثل مصر والسعودية وسورية ففرضت تغييرا في أسلوب حياة الراغبين في الرشاقة وحتى في عاداتهم الغذائية وتجاوز التغيير دواخل المنازل إلى المطاعم والنوادي الرياضية·
السعودية: عادات غذائية غير صحية
لا توجد إحصاءات دقيقة عن نسبة زيادة الوزن أو البدانة في منطقة الخليج عموماً والمملكة العربية السعودية تحديداً، لكن باستطاعة المرء أن يلاحظ أن هذه الظاهرة منتشرة بكثافة في المنطقة ولا تستثني أحداً من الجنسين أو عمراً من الأعمار·
وفي غياب المعلومات الموثقة حول الموضوع فإن الحالات التي يعالجها الأطباء تصلح لأن تكون عيّنة عما يعانيه المجتمع السعودي·
ويقول الدكتور فؤاد نيازي، استشاري علاج البدانة والألم الذي أمضى أكثر من عقد في معالجة حالات البدانة في السعودية إن أصغر حالة عمرية عاينها كانت لطفلة في الثامنة يزيد وزنها عن 100 كيلوغرام، الأمر الذي كان يشكل خطراً كبيراً على حياتها· ويأسف الدكتور نيازي لأن "أكثر حالات البدانة في السعودية والمنطقة العربية هي بسبب العادات الحياتية والغذائية السيئة التي يجهل معظم الناس سلبياتها"·
والمقصود بمثل هذه العادات تلك المرتبطة بالكرم العربي في الضيافة، حيث تعمّر الموائد بمختلف أنواع الأطباق الشهية والدسمة طبعاً، ويتم إرغام الضيف، من باب إكرامه، على تناول كميات كبيرة من هذه المأكولات.
في حين يبقى الطفل مصدر قلق لأهله ما لم يكن وزنه يميل إلى الامتلاء لأن النحافة في نظرهم مؤشر غير صحي، وليس العكس!
ويقول الدكتور نيازي: "إن الأم مسؤولة بنسبة 30% عن حالات زيادة الوزن عند الأطفال الأمر الذي قد يعانون منه طيلة حياتهم"·
والملاحظ أن مشكلة زيادة الوزن يعاني منها المراهقون الذين ينكبّون في معظم الأحيان على تناول الـ"فاست فود" على أنواعه مثل البيتزا والهامبرغر والدجاج المقلي، الأمر الذي ينظرون إليه على أنه عصري وCool·
يقول الشاب حمد العتيبي (17) عاماً، إنه يتناول الوجبات السريعة أربع مرات على الأقل في الأسبوع سواء مع أصدقائه في عطلة نهاية الأسبوع أو عندما يطلب "ديليفري" إلى منزله، مثل الهامبرغر، لمتابعة برنامج معين على التلفزيون·
ويحدث أن اقتران ما يمرره حمد من "فاست فود" مع ما يتناوله من وجبات رئيسية دسمة مثل الكبسة (طبق من الرز واللحم أو الدجاج والسمن) أو المُطبق (عجين يحضر باللحم أو الجبن) أو "المعصوب" (فطير بالسمن والعسل) تسبب في اعتياده على تناول نسبة عالية من الدهون·
ومشكلة حمد ليست فقط في نمطه الغذائي بل في عدم ممارسة الرياضة في شكل كاف، الأمر الذي تسبب في تراكم الدهون في جسمه، ويحذره الأطباء من أن استمرار وضعه على هذا النحو سيترتّب عليه عواقب وخيمة·
ويصف الدكتور نيازي البدانة أنها "القاتل الصامت" Silent killer باعتبار أن مضاعفاتها مثل تصلب الشرايين وانسدادها قد تفتك بالإنسان.
ويدعو إلى الشروع في تعديل بعض الأمور البسيطة في حياتنا اليومية ما يسهم تدريجياً في حل المشكلة، كالاعتدال مثلاً في استخدام الدهون أثناء تحضير الأطعمة·
واللافت للنظر أن عائلات سعودية كثيرة لا تزال تستخدم "السمن البلدي" في الطهي لاعتباره يكسب الطعام مذاقاً غنياً.
ويشكّل دخول الفضائيات بمذيعاتها الرشيقات إلى المنازل وتنوع برامج الموضة التي تبرز عارضات الأزياء على البوديوم على امتداد 24 ساعة، ضغطاً مباشراً على السعوديات.
butcher وتقول غادة (25 عاماً) وهي أم لطفلين ومتزوجة منذ 8 سنوات أنه على الرغم من انتقاد زوجها للواتي يظهرن على شاشات التلفزيون إلا أنها متأكدة أنه يتمنى ضمنياً لو كانت زوجته برشاقتهن.
وتعتبر غادة أن أسلوب الحياة الذي تعيشه يسهم إلى حد كبير في زيادة وزنها.
لا تمارس غادة أي نوع من الرياضة وتبرر ذلك بعدم توفّر الوقت الكافي لذلك بسبب كثرة المسؤوليات على الرغم من أنها لا تعمل خارج المنزل.
لبنان: هاجس الشكل لا الصحة
باتت النحافة دليلاً على الرشاقة والجمال في مقاييس المجتمع اللبناني، حتى إنها تحولت إلى هاجس لدى جيل كامل من الشابات والنساء في أعمار متفاوتة.
ولم تقتصر على النساء بل انتقلت "العدوى" إلى الشبان الطامحين للحصول على الجسم النموذجي.
لكن ما تظهره الفضائيات اللبنانية ووسائل التواصل المختلفة من أجساد نحيلة تكاد تقترب من الكمال وتركيزها على فقرات المطبخ والطعام الصحي وفقرات أخرى عن الرياضة وشد الأجساد، يختلف عن الحقيقة التي تقول إن نسبة زيادة الوزن في لبنان تتعدى الـ50% فيما تقارب نسبة البدانة الـ20% حسب دراسة أعدتها الجمعية اللبنانية لأطباء الغدد الصماء والسكري والدهنيات.
وتعاونت، قبل أشهر عدة، وزارة الصحة مع منظمة الصحة العالمية والجمعية اللبنانية لأطباء الغدد الصماء والسكري والدهنيات على إطلاق حملة وطنية لمكافحة الوزن الزائد والبدانة تحت شعار "خفف وزنك، طوّل عمرك" ركّزت الحملة على تعريف الوزن الزائد والبدانة والتأكيد على أنه مرض مزمن وشرح أسباب هذا المرض ومضاعفاته والأمراض التي يؤدي إليها وأساليب الوقاية والعلاج وتفنيد المعتقدات الخاطئة عن أساليب خفض الوزن والتأكيد على أهمية استشارة الطبيب الاختصاصي في الغدد الصماء والسكري والدهنيات لمعالجة الإصابة بالبدانة.
يقول الدكتور أكرم أشتي المشرف على الحملة من قبل الجمعية اللبنانية لأطباء الغدد الصماء، إنه من المبكّر معرفة نتائج تلك الحملة، ولكنه يشدّد على أن خفض الوزن ليس مسألة جمالية بقدر ما هو شأن علمي عميق هدفه تلافي الأمراض التي نشهد تزايدها في لبنان كأمراض القلب والشرايين والسكري وارتفاع الدهنيات في الدم وارتفاع الضغط الدموي والأمراض الخبيثة إلى جانب أمراض المفاصل والجهاز الهضمي والكبد والجهاز التنفسي.
ويوضح الدكتور أشتي الأمر قائلاً: "إن الدراسات العلمية التي أجرتها الجمعية أظهرت أن نسبة حدوث مرض البدانة هي في ازدياد مستمر خلال السنوات الماضية وتظهر هذه الزيادة لدى الأطفال والشباب".
وعزا السبب في هذه الزيادة إلى عوامل متعددة أهمها: "تغيّر نمط حياتنا اليومية بحيث أصبحنا نبذل مجهوداً عضلياً أقل من خلال العمل الوظيفي المكتبي، واستعمال وسائل النقل المتعددة في تحركاتنا، حيث تشير إحصاءات دوائر ميكانيك السيارات إلى أن كل عائلة تكاد تملك سيارتين على الأقل، وكذلك الجلوس لساعات طويلة لمتابعة شاشات التلفزيون أو السينما أو الكمبيوتر، وتغيّر عاداتنا الغذائية بحيث أصبحنا نكثر من تناول وجبات الطعام الدسمة والغنية بالدهون أو ما يعرف بوجبات الطعام السريعة"·
ويرصد المدرب الرياضي جوزف أبو رجيلي ارتياد الفتيات النوادي الرياضية لصقل أجسادهن أو العمل على خفض أوزانهن وهي ظاهرة تنامت في السنوات الأخيرة بعدما كانت هذه النوادي حكرا على الشبان الساعين Photo by Alistair Berg/Getty Images وراء جسد مثالي.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على أبناء وبنات الطبقات الميسورة فقط وإنما تشمل الطبقة الوسطى وما دون الوسطى.
ومعظم هؤلاء هم من الموظفين الذين يمضون ساعات طويلة خلف مكاتبهم أو مقود سياراتهم.
على أن معظم النساء اللواتي يلهثنَ خلف هوس الرشاقة يفعلن ذلك بدافع نيل إعجاب أزواجهن وليس بسبب هاجس صحة أجسادهن·
وتجزم سمر جابر التي تملك صالوناً للتجميل في بيروت أن "أكثر ما يسرّ المرأة اللبنانية أن تسمع من يقول لها إنها فقدت شيئاً من وزنها، والأمر لا يقتصر على النساء بل أيضا الرجال، إنها مجاملة يطرب لها الجميع وفي أحيان نلجأ إليها مع علمنا أن الشخص الذي قبالتنا لم يتغير عما كان عليه في آخر مرة شاهدناه فيها"·
والواقع أن اهتمام اللبنانيين بشكلهم يحمل الكثير من التناقض، فالهاجس الأول هو جمالي بحت مع أن الثمن الذي قد يدفعه البعض لقاء الحصول على القوام الرشيق باهظ في أكثر الأحيان.
فالحمية العشوائية حل شائع تلجأ إليه الأغلبية، وخسارة كيلوغرام واحد يقابله بعد حين زيادة أربعة أو خمسة كيلوغرامات. أما العمليات الجراحية فقد أصبحت أكثر رواجاً بين الذين تعصى أوزانهم على الحمية. وأكثر العمليات شيوعا هي: عمليات شفط الدهون، وتركيب حلقة للمعدة لتصغيرها وقطع الشهية، على رغم المضاعفات التي تظهر في وقت لاحق وقد يؤدي بعضها إلى الوفاة·
تقول سمر جابر: "الكل يتطلع إلى تقليد ما يشاهده على شاشات التلفزيون وفي المجلات ويريد أن يتماهى معه، لكنهم لا يعرفون أن ما يشاهدونه خضع لتعديل بواسطة الكمبيوتر". وتشير إلى أن أكثر ما يستفزها هو الأمهات اللاتي يحاولنَ جاهدات الحصول على أجساد مشابهة للممثلات والفنانات.
وتضيف سمر جابر قائلة: "إن المقياس الذي يريد هؤلاء النساء التمثل به خيالي وليس حقيقي، فلماذا نسعى إلى تقليد صورة الآخر؟ هل الهدف أن نغدو نسخاً متكررةً عن بعضنا البعض؟ هناك حالة مَرَضية تصيب النساء والرجال عندنا وليس أدل عليها من التجويع الذي تمارسه الشابات على أنفسهن سعياً وراء الحصول على أجساد كالعارضات".
لا تُخفي هالة استياءها من صعوبة العثور على الملابس التي تلائم حجمها الذي يصنّف في خانة البدانة على رغم أنها لم تتجاوز الـ23 من عمرها، وهي إن وجدت قياسها فإن قطعة الملابس تكون مجرّدة من أي لمسة جمال أو موضة·
ويعتبر منير (25 عاماً) أن "الحفاظ على الشكل المتناسق عنصر أساسي للحصول على وظيفة، فالحكم على المظهر يأتي متقدّما على الشهادة والكفاءة والخبرة، والأمر ينطبق على الشبان والشابات".
وحتى لا تفقد المطاعم ولا سيما تلك المتخصصة بالوجبات السريعة زبائنها تحت ضغط التخفيف من الطعام المشبّع بالدهون فإنها لجأت إلى قوائم خاصة بـ"الدايت" والطعام الخفيف حتى إن المحلات التي تبيع حلويات عربية خصّصت قسماً للحلويات المصنوعة بالسكر المحلّى والمواد الخفيفة الدسم ونشطت مطاعم خاصة بالولائم والحفلات التي يقدّم أصحابها معجنات "لايت"، كما تمّ استبدال الأطباق الدسمة بأنواع مختلفة من السلطات القائمة على الخضروات، وباتت كثير من المطاعم تخصّص جناحاً للـ"سالاد بار" لكثرة ما تستقطب هذه الوجبة من الزبائن.
لكن أكثر ما يقلق أطباء الغدد الصماء والسكري هي ظاهرة تفشّي البدانة بين صفوف الأطفال الذين يُعتبرون أكبر فئة مستهلكة لمنتجات غذائية عالية السعرات الحرارية بسبب الدهون التي تحتويها.
ويتم عادة استقطابهم كمستهلكين عبر الإعلانات المغرية التي تبث على شاشات التلفزيون من دون رقيب أو مرشد.
ويعتقد الدكتور أشتي أنه "يجب التوجه إلى هذه الفئة من الناس بطريقة أكثر تركيزا لأن الوقاية تبدأ من عمر الطفولة".
مصر: تنامي نوادي التخسيس
تسهم العادات الغذائية السيئة، إلى حد بعيد، في تنامي ظاهرة البدانة بين المصريين. وإذا كانت الأطعمة الدسمة تحتل موائد الميسورين فإن استبدال اللحوم والدواجن عند الطبقات الفقيرة بالنشويات يسهم في زيادة نسبة الدهون في أجسامهم ويدفع بالعديد منهم إلى مصاف البدناء·
ويرى فتحي عيد خبير في التخسيس في معهد "هليوجيم" في القاهرة أن انخفاض الوعي لدى المصريين بأهمية ممارسة الرياضة واعتمادهم المتزايد على التكنولوجيا الحديثة بطريقة تحدّ من حركتهم إضافة إلى انتشار مطاعم الوجبات السريعة في كل مكان وتهافت الناس عليها قد أسهم في زيادة نسبة البدانة.
ويشير إلى أن نسبة كبيرة من روّاد معهده، تتراوح بين 70% و80%، لا يرتادونه إلا بعد تحذير صريح من الطبيب بأن حياتهم مهدّدة بالخطر إذا Photo by Brown W Cannon III/Getty Images لم يمارسوا الرياضة ويتخلصوا من وزنهم الزائد.
ويقول عيد: "شاهدتُ العديد من الناس يغيّرون في أنماط حياتهم في شكل إيجابي، فمنهم من استطاع الإقلاع عن التدخين، ومنهم من قرّر الانتظام في ممارسة الرياضة وتنظيم وجباتهم الغذائية ويثير هذا التنافس حماساً بين رواد المعهد ما يلعب دوراً إيجابياً في تحقيق الهدف المرجو".
ويرصد الدكتور يحيى حسن أستاذ التربية الرياضية في جامعة حلوان في القاهرة أسبابا أخرى للبدانة، ومنها لباس الجلباب الذي يساعد على تفادي إظهار ملامح زيادة الوزن، ويقلل اهتمام العديد من الناس في العناية بمظهر أجسامهم، ويبدو الأمر أكثر وضوحاً في الريف منه في المدينة.
ويشير الدكتور حسن إلى أن التعاطي مع الطعام على أنه مظهر من مظاهر الكرم والاحتفال عنصر هام يسهم في تفشي ظاهرة البدانة: "نحن نعتبر أن الطعام أحد أهم مظاهر الاحتفاء بالضيف، ونضع أمامه ما يكفي لإطعام 10 أشخاص، وربما نزيد الكميات تعبيرا عن سعادتنا بقدومه إلينا أو وجوده بيننا، وهذه مشكلة حقيقية".
ويعتبر الدكتور حسن أن الظروف الاقتصادية تمثّل عاملا آخر من عوامل تفشي ظاهرة البدانة: "الفقراء لا يمكنهم تناول وجبة غذائية متكاملة، ويضطرون إلى الاعتماد على أطعمة مكوّنة من النشويات بشكل أساسي، مما يزيد من نسبة الدهون في أجسامهم".
وفي المقابل يشير إلى أن هناك توجهاً لدى العائلات "الأرستقراطية"، لممارسة الرياضة، وتنظيم الغذاء، أكثر من ذي قبل حفاظا على صحتهم ومظهرهم، لافتا إلى أن الجامعات الأكثر احتكاكا بالطبقات الغنية أو بالنمط الغربي مثل الجامعات الخاصة، تضمّ نسبة أقل بكثير من الشباب الذين يعانون من ظاهرة البدانة مقارنة بنظرائهم في الجامعات الحكومية.
ويستشعر الشباب من الواقعين تحت حمل البدانة المشكلة بصورة أكثر جلاء، فمنى (23 سنة) تقول: "كان أكثر شيء يلفت النظر إلي قبل خمس سنوات هو ملامحي الجميلة غير أن بدانتي قد سرقت الأضواء مؤخرا بصورة كاملة، ولم يعد أحد يعير لجمالي اهتماما، أنا أعمل الآن على إعادة الالتفات إلى جمالي بالتخلص من وزني الزائد، وأظن أنني سأنجح".
ويقول يوسف (30 عاماً): "ألقى وزني الزائد حمله الثقيل على حياتي كلها، فقبل أن أتخرج من الجامعة قبل 7 سنوات، لم أكن أشعر بوطأة بدانتي، كنت طالبام&;amp;;#1578;فوقاً، أمضي الوقت بالدراسة، لكني اليوم أجد صعوبة في التقدّم في عملي كمهندس معماري إذ يتطلب تخصصي حركة مستمرة في مواقع العمل، كما وأنني أجد صعوبة أكبر في الحصول على زوجة، وقد قرّرت أن أستبدل كل هذه الصعوبات بصعوبة واحدة كنت أتجنبها، وهي الاجتهاد وممارسة الرياضة من أجل إنقاص وزني، أعتقد أن ذلك أسهل بكثير من الإبقاء على الوضع الراهن".
في عالم الأعمال أثمرت ظاهرة البدانة المتنامية عن تجارة رائجة، فقد تزايدت أعداد النوادي والمراكز المتخصصة في التخسيس، وزخرت الصحف بإعلاناتها، إلى جانب إعلانات عن أحزمة وأجهزة ومستحضرات طبية تساعد على التخلّص من الوزن الزائد، وبدا الوضع وكأنه صراع ساخن بين الناس من جهة وظاهرة البدانة من جهة أخرى، فيما يجني رجال الأعمال غنائم هذا الصراع على الجانبين ببيع مسببات البدانة، وأسلحة مقاومتها في الوقت نفسه·
سورية: هاجس الأجسام النحيفة
تختلف نظرة كل مجتمع عن الآخر تجاه الجسد، وفي حين كان المجتمع السوري حتى نهايات القرن الماضي يفضل الأجساد الممتلئة ولا يكترث كثيراً لمشكلة زيادة الوزن، فإن التوجّه في السنوات الأخيرة تحوّل نحو الرشاقة·
ويبدو أن للشباب السوري مقاييسهم الخاصة التي يفضلونها في الفتاة. وحتى المتزوجين باتوا يغيرون رأيهم بنسائهم، ما يدفع بأعداد كبيرة من السوريات إلى النوادي الرياضية، وعيادات أطباء التغذية، وفي أسوأ الحالات إلى إتباع وصفات الحمية من المجرّبات بهدف صياغة أجسادهن بحسب الموضة.
"الجلاء" و"الموّاز" و"البشر" و"الفيحاء" نوادي رياضية منتشرة في دمشق، تقدّم دورات الإيروبيك للفتيات والنساء الراغبات في الحصول على أجساد رشيقة.
وتلاقي هذه النوادي رواجا كبيرا خصوصا أنها تملأ وقت الفراغ عند الكثيرات باللقاءات الاجتماعية.
سناء عارف إحدى رواد نادي البشر الرياضي، والتي، وعلى حد قولها، ساعدها في إنقاص وزنها ما يزيد على العشرة كيلوغرامات محقّقة نقلة نوعية خلال شهرين.
تقول سناء عارف: "كنت أعاني من زيادة في وزني وبروز واضح في منطقة البطن، لكن تشجيع صديقاتي لي دفعني إلى التسجيل في النادي لإنقاص وزني واكتساب شكل انسيابي أكثر".
الموضة والأزياء الحديثة كالميني جوب والسراويل والقمصان الضيقة قد تكون الدافع إلى الانتساب إلى النوادي الرياضية أو اتباع حمية ما.
فميساء عيسى انتسبت إلى النادي سعيا لامتلاك قوام جميل يتناسب مع الموضة.
وتقول: "مع أنني لا أعتبر نفسي سمينة، إلا أنه كانت تنقصني بعض اللمسات الجمالية لأتمكن من ارتداء كل ما أرغب".
وتقول منال عيسى: "شباب اليوم لديهم قياسات محيّرة ومواصفات صعبة لاختيار الفتاة المناسبة". وتضيف: "إحدى صديقاتي قاربت الـ28 عاما ولم تتزوج بعد، باعتقادي أن بدانتها من أهم الأسباب، خصوصا أن لها أختين أصغر منها قد تزوجتا قبلا، لذا فأنا أسعى دائما إلى الحفاظ على جسدي مشدودا إلى أن يحين الوقت".
تتعدد الأساليب لإنقاص الوزن أو الحفاظ عليه، فالبعض يفضل الأندية الرياضية، والبعض الآخر يفضل برامج الريجيم، ولكل مبادئه.
هوازن رضا، وهي من رواد مسبح الفردوس، عارضت تماما البرامج الغذائية بحجة أن جسم الإنسان بحاجة إلى كل أنواع الأطعمة سواء سكريات أو نشويات أو لحوم تمدّه بالطاقة اللازمة، وكل إنسان يعرف مدى حاجته من الطعام لذا لا بأس في أن يتناول ما يحتاج، لكن من غير المعقول أن يحرم جسمه من الحلويات مثلا لكي يحافظ على وزنه أو جسده أو أن يستمر على برنامج غذائي يحرمه من اللحوم، بل يمكن أن يلجأ إلى الرياضة كعامل مساعد.
لكن سناء عارف ملّت من كلا التجربتين حيث لم تحصل من إحداهما على نتيجة ثابتة لفترة تتجاوز ممارستها لها، تقول: "جربت النوادي الرياضية، كما جربت الريجيم من قبلها، لكن ليس هناك أي نتيجة جيدة تذكر خارج فترة ممارسة التمرينات أو الحمية على السواء".
أما سامر العايدي فقد اتبع طريقة أخرى، وهو دواء أوصى عليه خصيصا من لبنان ويساعد على الهضم إضافة إلى إضعاف الشهية. وهذا ناتج عن وصفة أحد الأصدقاء، ما يوحي بأن الاعتماد على وصفات الأطباء واستشاراتهم ما زال بعيدا عن التفكير، والمحبذ دائما وصفة المجرِّبين من منطلق "اسأل مجرب ولا تسأل حكيم"·
تبدو مشكلة البدانة قضية ضاغطة على الشباب والفتيات، فيلجأ الطرفان إلى ممارسة الرياضة أو اتباع البرامج الغذائية المنشورة على صفحات المجلات، والتي تنصح بالابتعاد عن اللحوم والحلويات وتناول الخضار فقط ما يفرض نمطاً جديداً في طهي المأكولات في المنازل وابتكارات جديدة من ربات البيوت اللواتي يحاولن التنازل عن استخدام الدهون في الطبخ بصعوبة.
فيما تواصل المطاعم التي يرتادها السوريون تقديم المأكولات الدسمة على أمل استقطاب أولئك المتمنّعين عن الريجيم، أو الذين يواصلون معاهدة أنفسهم كل يوم بأن غداً هو اليوم الموعود لبداية حمية جديدة، أو أولئك الذين يحبون أجسادهم البدينة، ويفضلون لو أن الآخرين ينظرون إلى صفات أخرى في شخصياتهم هي أكثر أهمية من مظاهرهم الخارجية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق